الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
ولنقف هذه الوقفة الأخرى مع هذا المصطلح الشريف "السلفية". فمن حيث المصطلح أصبحت السلفية علمًا على أصحاب منهج الاقتداء بالسلف -رضي الله عنهم-من الصحابة والتابعين، من أهل القرون الثلاثة الأولى، وكل من تبعهم من الأئمة: كالأئمة الأربعة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، والليث بن سعد، وعبد الله بن المبارك، والبخاري، ومسلم، وسائر أصحاب السنن.
وشمل شيوخ الإسلام المحافظين على طريقة الأوائل، مع تباين العصور، وتفجر المشكلات الجديدة، أمثال: ابن تيمية، وابن القيم، ومحمد بن عبد الوهاب.
كذلك أصحاب أغلب الاتجاهات السلفية المعاصرة بالجزيرة العربية، والقارة الهندية، ومصر، وشمال إفريقيا، وسوريا، وكانت ذات أثر واضح في تنقية مفاهيم الإسلام ودفعه إلى الأمام لمواجهة الحضارة والتطور والكشف عن جوهر الثقافة العربية والإسلامية الأصيلة القادرة على الحياة في كل جيل وكل بيئة..
ومن حيث المضمون: تعني السلفية في الإسلام:
التعبير عن منهج المحافظين على مضمونه في ذروته الشامخة وقمته الحضارية،
كما توجهنا إلى النموذج المتحقق في القرون الأولى المفضلة، وفيها تحقق الكل العام والتنفيذ الفعلي، ومنه استمدت حضارة المسلمين أصولها ومقوماتها ممثلة في:العقيدة، خضوعً للتوحيد وبيانًا لدور الإنسان في هذه الحياة، وتنفيذا لقواعد الشريعة الإلهية بجوانبها المتعددة في الاجتماع والاقتصاد والسياسة وروابط الأسرة وفضائل الأخلاق.
والسلفية كمصطلح تعني أيضاً في مدلولها الخاص:
الاقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإن أمتنا تنفرد بمزية لا تشاركها فيها أمة أخرى في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، تلك هي تحقق القدوة في شخصه -صلى الله عليه وسلم-، إذ حفظت سيرته -صلى الله عليه وسلم- كاملة محققة بكافة تفاصيلها، فنحن نعلم عنه -صلى الله عليه وسلم- كل شيء وفقًَا لما نقل إلينا في كتب وعلوم الحديث بأدق منهج تأريخي علمي عرفه المؤرخون.
وهكذا فإن السيرة النبوية حية في كياننا ونحن نعيشها كل يوم، وهي تمثل القمة للسلفيين، وتطبيق الشريعة الإسلامية ممتد على طول الزمن لا يتعلق بعصر دون آخر، بل إن كل جيل من المسلمين مطالب بتنفيذ أصولها النصية مع الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص عند مواجهة أحوال الحياة المتغيرة كما هو معروف في أصول الفقه.
وإزاء خطط الغزو الفكري، ومظاهر اشتباك العقلي مع خصوم الإسلام صمد السلفيون للمحافظة على جوهر الإسلام وأصوله، إيمانًا بأنه لن يظهر زيف هذه العقائد والنحل إلا بطريقة السلف أنفسهم مهما تغيرت الأزمنة والأعصار، لأنها طريقة موضوعية ذات أسس علمية منهجية تعتمد على النصوص الشرعية الموثقة، فهناك مسائل ثابتة لا تتغير: كفطرة التوحيد، ومخاطبة العقول البشرية بالبرهنة على النبوات عامة، ونبوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- خاصة، والرد على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في كل ما انحرفوا به عن الشرع المنزل مع دحض شبهات الملحدين والمشركين.
هذه فضلاً عن ثبات الفضائل الأخلاقية، وقواعد التحليل والتحريم في المأكل والمشرب والملبس، وتنظيم العلاقات الاجتماعية في الأسرة والمجتمع، وإقامة العلاقات الدولية مع سائر الأمم، وفقًا لأصول الشرع.
ولقد أصبحت الحركة السلفية هي الحركة الكبرى التي جددت الدعوة الإسلامية، ولولاها لهان على الغرب أن يستعبد الشرق روحيًا وفكريًا إلى أمد بعيد.
فإذا كان المسلمون يتلمسون اليوم طريقًا للنهوض، فليس لهم من سبيل إلا وحدة جماعتهم، ووحدة الجماعة ليس لها من سبيل إلا إلى خلاصة الاتجاه السلفي، عودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وفي العصر الحديث..
يعمل السلفيون على استئناف الحياة الإسلامية على أساس هذا الفهم، وطبقًا لنظرته الرحبة الفسيحة لكل جوانب الإسلام كمنهج رباني شامل لا يعتوره نقص في أي من مجالات الحياة.
وقد اتفق المسلمون السلفيون على قاعدة اضطراد العلاقة بين تقدم المسلمين واستمساكهم بالإسلام، وعلى العكس تدهورهم وضعفهم عند الانسلاخ منه، فالعلاقة بينهما علاقة للمد والجزر مع الإسلام والإيمان..