الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فأدق ما وُصِف به التشيع أنه: "بذرة نصرانية غرستها اليهودية في أرض مجوسية".
والآن جاءت النصرانية لكي تجني ثمرة الحنظل التي زرعتها، وتحاول إيقاف مد الصحوة الإسلامية بهذه النتوءات الشاذة لا سيما في الخليج العربي ومصر؛ حيث جنت النصرانية ثمار شجرة الشيعة الفارسية منذ تحالفت الدولة الصفوية مع البرتغال ضد الدولة العثمانية إلى يومنا هذا.
ومِن أشد ثمراتهم خبثًا في الكويت شيعي غِر متسرع؛ غرَّه الدعم الغربي لكي يخلع التقية، بل إلى أن يُكفِّر من يأخذ بها مسميًا إياهم: بالـ"بترية" الذين يخونون أمانة الصدع بمذهب "آل البيت"، هذا الشيعي الخبيث جاهر بسب الصحابة -رضي الله عنهم- علنًا في الكويت؛ فحُكم عليه بالسجن، ثم أفرج عنه عن طريق خطأ غير مقصود! كذا كان الإعلان الرسمي، ولكن مصدر هذا الخطأ غير المقصود يتضح لك بجلاء إذا علمت أنه سافر بعد هذا الإفراج إلى بريطانيا، وأنه ازداد هناك كفرًا وفجورًا، وبلغ الأمر ذروته في رمضان الماضي؛ حيث أقام في ليلة السابع عشر منه احتفالاً بما أسماه: "ذكرى وفاة عائشة" -رضي الله عنها-، و جعل شعار المؤتمر: "عائشة في النار"!
وكان يكفينا هذا القدر من الكفر والزندقة؛ إلا أن تفاصيل المؤتمر نُقِلت، واستمع إليها مَن استمع، ورأى بعضهم فيما أثار مِن شبهات ما يستحق الرد؛ مما يستوجب علينا أن نوضح كذبه وبهتانه فيما ادعى من أدلة.
وقبل أن ننتصر لعائشة -رضي الله عنها- من هذا الخبيث نعرِّف تعريفًا سريعًا بكل منهما:
أولاً: مناقب عائشة -رضي الله عنها-:
نُصدِّر الكلام على مناقب عائشة -رضي الله عنها- بما قاله رسول علي -رضي الله عنه- عنها في واقعة الجمل -وهو أقصى ما يأخذه هؤلاء الأفاكون على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها-؛ فعن أبي وَائِلٍ قَالَ: "لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارًا وَالْحَسَنَ إِلَى الْكُوفَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ؛ خَطَبَ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلاكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا" (رواه البخاري).
ما أروع الأدب مِن عمار -رضي الله عنه- والحسن -رضي الله عنه- سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وأقبح سوء الأدب مِن المنافقين والزنادقة.
ومِن فضائلها -رضي الله عنها- أن جبريل -عليه السلام- أقرأها السلام؛ كما ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لها: (يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ)، فقالت: "وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لا أَرَى"، تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-(متفق عليه).
ومِن فضائلها -رضي الله عنها- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) (متفق عليه).
ومِن فضائلها -رضي الله عنها- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال للسيدة فاطمة -رضي الله عنها وأرضاها-: (أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟)، فَقَالَتْ: "بَلَى"، قَالَ: (فَأَحِبِّي هَذِهِ) (متفق عليه).
ثانيًا: من هو ياسر الحبيب؟
لن نتحدث كثيرًا عن سيرته الشخصية؛ فهو أحقر من ذلك، ولكن نتعرف على شيء من منهجه؛ فإن هذا كافٍ في معرفة سبب حقده على الإسلام عامة، وعلى أم المؤمنين خاصة.
1- عقيدته:
لياسر الحبيب عقيدة خاصة في فاطمة -رضي الله عنها- هي صورة طبق الأصل تقريبًا من عقائد النصارى في عيسى -عليه السلام-، فيقول في مقال له بموقعه على الانترنت تحت عنوان: "الزهراء.. تحلل ما تشاء وتحرِّم ما تشاء وتغيِّر التكوين كما تشاء!"، وحسبك بهذا العنوان كفرًا، ولكن إليك شيء من التفاصيل تنبئك عن حقيقة اعتقاد الرجل، وخرافية عقله؛ يقول -قطع الله دابره-:
"إنها فاطمة بنت محمد.. يصعب حتى القول بأنها من جنس البشر؛ فذاتيتها غير ذاتيتنا، وصفاتها غير صفاتنا، وها هو إعلان خاتم الأنبياء -صلى الله عليه وآله وسلم- يدوّي بصداه: "إن فاطمة خُلقت حورية في صورة إنسية"! (عوالم العلوم ج11/1 ص83)، فهي إذن ليست إنسية ولا من جنس البشر، وإنما قد أظهرها الله -تعالى- بهذه الصورة، وإلا فجوهرها جوهر آخر، عُبِّر عنه هنا بالحورية، مع أن ثمة تعبيرًا آخر أعلى حينما عُبّر عنها -صلوات الله عليها- بالنور الذي سبق الخلق بآلاف السنين!
وإن أردت معاضدا فتمعّن في ما أفهمه -صلى الله عليه وآله وسلم- لعائشة حين قال لها: "يا حميراء! إن فاطمة ليست كنساء الآدميين"! (مناقب ابن شهراشوب ج3 ص110)(1)، وهذا ما يفسّر ربما أنها -صلوات الله وسلامه عليها- مختلفة في صفاتها الذاتية والفعلية عن سائر نساء البشر، وهذا ما قد يفسّر الدهشة التي انتابت أسماء بنت عميس حينما تولّت أمرها -عليه السلام- ساعة ولادة الإمام الحسن المجتبى -صلوات الله عليه-، إذ تقول: "قبلت فاطمة -عليها السلام- بالحسن -عليه السلام-، فلم أرَ لها دمًا! فقلت: يا رسول الله، إني لم أرَ لها دمًا في حيض ولا نفاس؟ فقال -صلى الله عليه وآله-: أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهّرة، لا يُرى لها دم في طمث ولا ولادة"! (صحيفة الرضا عليه السلام ص289).
والأعجب من هذا ما رُوي من أنها قد ولدت الحسن والحسين -عليهما السلام- من فخذها الأيسر! (عيون المعجزات ص59)(2)، من تلك التي بلغنا نبأها تأثيرات إشعاعات نور وجهها -صلوات الله وسلامه عليها-، تلك الإشعاعات التي كانت تنبعث انبعاثًا هائلاً من وجهها الشريف؛ فتترك آثارها على الحيطان والفُرش والثياب، وحتى على ألوان الناس! فكانت حيطان المدينة المنورة تبيضّ أول الفجر من كل يوم، ثم تصفرّ عند الزوال، وكذلك تصفرّ ألوان الناس وألوان ثيابهم، ثم كانت الحيطان تحمرّ عند غروب الشمس، كل ذلك في ظاهرة غير طبيعية ذُهل أهل المدينة منها، فلما فتشوا عن سببها وجدوه نور وجه فاطمة الزهراء!
هذا ما كشفه إمامنا الصادق عندما سأله أبان بن تغلب: "يا ابن رسول الله، لم سُمّيت الزهراءُ زهراءَ؟!"، فقال: "لأنها تزهر لأمير المؤمنين -عليه السلام- في النهار ثلاث مرّات بالنور، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فُرُشهم، فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة، فتبيضّ حيطانهم! فيعجبون من ذلك، فيأتون النبي -صلى الله عليه وآله- فيسألونه عما رأوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة -عليها السلام-، فيأتون منزلها، فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها! فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة!
فإذا انتصف النهار وترتّبت للصلاة؛ زهر نور وجهها -عليها السلام- بالصفرة، فتدخل الصفرة في حجرات الناس، فتصفرّ ثيابهم وألوانهم! فيأتون النبي -صلى الله عليه وآله- ويسألونه عما رأوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة -عليها السلام-، فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها بالصفرة! فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجهها!
فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس؛ احمرّ وجه فاطمة، فأشرق وجهها بالحمرة فرحًا وشكرًا لله -عز وجل-، فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانهم! فيعجبون من ذلك، ويأتون النبي -صلى الله عليه وآله- ويسألونه عن ذلك، فيرسلهم إلى منزل فاطمة، فيرونها جالسة تسبّح الله وتمجّده، ونور وجهها يزهر بالحمرة! فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة -عليها السلام-! فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى وُلد الحسين -عليه السلام-، فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت، إمام بعد إمام" (علل الشرائع ج1 ص180)(3)".
إلى أن قال: "ثم إن ذهولنا يزداد عندما نعلم بأن الزهراء -صلوات الله عليها- لا تنحصر آثارها التكوينية في زمان وجودها على قيد الحياة؛ بل تستمر وتبقى إلى ما بعد ذلك! وهكذا لا تعترف آثار الزهراء بحدود المكان أو الزمان!".
ثم ساق طرفـًا من قصصه من أكاذيب الشيعة في ذلك، إلى أن قال: "ولا تنحصر قدرات سيدة نساء العالمين -صلوات الله عليها- في الدائرة التكوينية فحسب؛ بل تتعدّاها أيضًا لتشمل الدائرة التشريعية في صلاحية مطلقة منحها الله -تعالى- للزهراء -عليها السلام-؛ إذ فوّض لها أمر دينه، إلى درجة أنها تتمكن من أن تحلل ما تشاء وتحرِّم ما تشاء! فتسنّ الأحكام الشرعية بتفويض إلهي مطلق، ويبدو من منطوق الروايات أنه أوسع من ذلك التفويض الممنوح لسائر الأئمة المعصومين ما خلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخاه أمير المؤمنين -صلوات عليهما وعلى آلهما الطيبين الطاهرين-، أو أن الولاية التشريعية الممنوحة لسائر الأئمة من الحسن المجتبى إلى المهدي المنتظر هو تابع بالأصل للولاية التشريعية الممنوحة للنبي الأعظم وأمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين -عليهم صلوات المصلين-".
ثم ختم مقالته بقوله: "يبقى بعد هذه الومضات اعترافنا بأن ما استفدناه هنا ليس سوى أقل من قطرة! ونشهد قائلين: إننا يا فاطمة عاجزون عن إدراك كنهك، أوليس قد فُطمنا عن معرفتك؟! فسبحان الله الذي خلق فاطمة.."!
2- ياسر الحبيب لا يستشعر أي حرج من حماية الغرب له تحت مسمى حرية الفكر! وهذا الخبر منقول من موقعه: "باءت محاولات الحكومة الكويتية لاعتقال وتسليم الشيخ ياسر الحبيب بالفشل؛ حيث رفضت الشرطة الدولية "الإنتربول" إصدار مذكرة اعتقال بحقه بناء على الأحكام القضائية الصادرة ضده في الكويت، والتي وصلت إلى السجن عشرين عامًا بتهمة "إهانة الخلفاء والصحابة وأمهات المؤمنين، والتحريض على قلب نظام الحكم، والعمل على زعزعة استقرار البلاد"، حيث قضى الشيخ فترة ثلاثة أشهر من محكوميته أُطلق سراحه بعدها بما فسّره بكرامة من مولانا أبي الفضل العباس -عليه السلام-، فيما فسّرته الحكومة الكويتية بالخطأ الإداري غير المقصود.
وبحسب "صحيفة الوطن الكويتية" فإن رفض الشرطة الدولية كان "خطوة غير مسبوقة" بُنيت على أن قضية الشيخ "تولّدت نتيجة أفكار ومعتقدات مذهبية ودينية لا يجب عقابه أو محاكمته عليها".
3- ياسر الحبيب يستعين بالسلطات البريطانية على أهل السنة، وهذا الخبر في موقعه: "أدرجت السلطات البريطانية أسماء عدد من دعاة الفرقة البكرية وأعضاء مجلس الأمة الكويتي على لائحة الاتهام القانوني بالتحريض على القتل والعنف والإيذاء الشخصي، وذلك إثر بلاغ رسمي تقدّم به وكيل الشيخ ياسر الحبيب يوم أمس الثلاثاء 27 شهر رمضان 1431 الموافق 7 سبتمبر 2010".
تُرى هل يمكن أن نجد نقدًا علميًا وليس مجرد سب وتجريح من "ياسر الحبيب" لعقائد النصارى أو لأي من رموزهم..؟! نظن أن الإجابة معروفة.
الآن وبعد أن عرفنا من هو ياسر الحبيب، وألقينا شيئًا من الضوء على فضائل أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-؛ نناقش هذا البغيض فيما ادعاه من أدلة على أن عائشة -رضي الله عنها- في النار! نسأل الله ألا يحشره معها.
لقد ساق ثلاثة شبهات تفصيلية تضمنت في ثناياها كثيرًا من الجزئيات..
وإليك هذه الشبهات الساقطة، والإجابة عليها:
الشبهة الأولى:
قوله: إن عائشة -رضي الله عنها- روت حديث سحر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي القرآن: (وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا) (الفرقان:8)، فلزِم مِن هذا أن تكون عائشة -رضي الله عنها- من الظالمين الكافرين المتعمدين في زعمه وإفكه تشكيك الناس في النبوة!
ثم أراد أن يبالغ في إقامة الحجة على أهل السنة مِن أن الحديث في البخاري، وهو ثقة عند أهل السنة ورجاله ثقات؛ فتعين أن يكون الكذب مِن عند عائشة، ثم نقل عن بعض المعتزلة والأشاعرة ردهم أحاديث سحر النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لمنافاته مقام النبوة، ونسب إليهم بناء على ذلك تكذيبهم وتكفيرهم لعائشة -رضي الله عنها-.
والجواب عن هذه الشبهة نلخصه في هذه النقاط:
والجواب عن هذه الشبهة نلخصه في هذه النقاط:
1- الآية ليست نصًّا فيما زعم من التكفير؛ لأن الآية وردت بلفظ "الظلم"، نعم المراد به الظلم الأكبر، ولكن هذا لا يُعلم إلا من سياق الآيات، ولكن الخبيث عدل عن ذكر الآيات بتمامها؛ لأنه إذا رجعنا إلى سياق الآيات لوجدنا أن الله -عز وجل- عد هذا القول ظلمًا وكفرًا وزورًا؛ لأن قائليه زعموا أنه -صلى الله عليه وسلم- مسحور في ما جاء به من القرآن والوحي، لا في أمر يتعلق بالبدن، فتدبر أول الآيات: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا . وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً . قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا . وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا . أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَسْحُورًا) (الفرقان:4-8).
فهذه كلها في طعن المشركين على القرآن الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتهمونه بأنه سِحر أو أثر للسحر، فمن قال أن القرآن سحر أو أثر للسحر فهو مشرك كافر.
فأين هذا من إثبات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُحر في أمر يتعلق بالبدن خصوصًا أمر النساء مما لا تعلق له بالوحي ولا بقلب النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أنزل عليه القرآن؟!
2- أن إثبات وقوع السحر على البدن عارض من عوارض البشرية كالمرض وغيره قدَّر الله وقوع هذا على الأنبياء كما قدَّر وقوع سائر الأذى مِن أعداء الله من الإنس؛ رفعًا لقدرهم، وإقامة للحجة على كل مَن تُسوِّل له الشياطين فيما بعد الغلو فيهم كالـ"شيعة" -قبحهم الله-.
3- ولم تنفرد السنة بإثبات أثر السحر على الأنبياء؛ بل ورد هذا في القرآن أيضًا كما ذكر الله ذلك في شأن موسى -عليه السلام- (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) (طه:66)، وذكره في شأن أيوب -عليه السلام- في قوله -تعالى-: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) (ص:41).
4- روايات سحر النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تنفرد بها كتب السنة؛ وإنما وردت في كتب الشيعة عن علي -رضي الله عنه-؛ فهل سيكفِّر ذلك البغيض عليًا هو الآخر أم ماذا؟!
وقصة خبر سحر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكرها المجلسي في "بحار الأنوار" بسنده عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: "سحر لبيد بن الأعصم اليهودي وأم عبد الله اليهودية رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فعقدوا له في إحدى عشرة عقدة، فأقام النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يأكل ولا يشرب، ولا يسمع ولا يبصر، ولا يأتي النساء"، وواضح أن الرواية الشيعية فيها من المبالغات المعروفة عن الشيعة زيادة على ما ذكرتْ كتب السنة.
5- نحن نجيب على مذهب السنة، ولا يلزمنا قول المعتزلة ولا الأشاعرة، وإن كانوا يُنسَبون إلى السنة في الجملة، أي: أنهم ليسوا بشيعة، ولكن من المهم التأكيد على أن من ظن منهم أن هذه الأحاديث تخالف القرآن أو تخالف العصمة لم يرمِ عائشة -رضي الله عنها- بالخطأ فضلاً عن الكذب؛ وإنما رموا من دونها؛ لأنه إن كان البخاري ورجاله ثقات والحديث مشكل؛ فلن تكون عائشة -رضي الله عنها- هي أدنى سلسلة السند لكي يقولوا: "إن الآفة مِن قِبَلها"، وهذا نقرره حتى لا يظن ظانٌّ أن كل مَن أنكر أحاديث سحر النبي -صلى الله عليه وسلم- يرى رأيه الكفري في عائشة -رضي الله عنها-.
6- هذا الخبيث يرمي النبي -صلى الله عليه وسلم- بما هو أشد مِن تأثير السحر فيه؛ وهو أن تكون زوجته بهذه الدرجة من السوء -على حد كذبهم-، والسحر متى ترتب عليه أذى في البدن كان مِن البلاء القدري الذي لا حيلة للإنسان فيه إلا الأخذ بالأسباب وانتظار الفرج مِن الله، بينما يملك أن يُطلِّق امرأة السوء لا سيما إن خشي على دين الناس منها، وأما أن يعيش ويموت وهو راضٍ عنها كما صح أنه استأذن أزواجه -رضي الله عنهن- أن يمرَّض في بيت عائشة -رضي الله عنها-، وهو ما أقر به الخبيث؛ إلا أنه قلبه تهمة في حقها مِن أنها تعمدت قتله -صلى الله عليه وسلم- بوضع السم له بدلاً من الدواء، وهي كذبة انفرد بها عن سائر كذابي الشيعة.
وهذا كله طعن في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يمكن الخلوص منه إلا بدعوى أن هذا الوهم منه والانخداع في عائشة -رضي الله عنها- كان من عوارض البشرية، فقول هذا في السحر من باب أولى، مع أن هذا التأويل لا يخلص لهم؛ لأنهم يزعمون أن دلائل كفر عائشة وحفصة ومِن قبلهما أبي بكر وعمر -رضي الله عن الجميع- كانت بادية ظاهرة، فإن لم يكن هذا طعن في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما هو الطعن إذن؟!
الشبهة الثانية:
وهي زعمه: أن عائشة -رضي الله عنها- كانت فاحشة، استدل على ذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا عَائِشَةُ لا تَكُونِي فَاحِشَةً)، وبتر القصة؛ حتى لا يتضح أن غضبه كان مِن أجل أسياده من اليهود لا من أجل الإسلام؛ لأن القصة بتمامها فيها أنها غضبت على اليهود من أجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهدأ من روعها بهذا القول؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُنَاسٌ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالُوا: "السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ"، قَالَ: (وَعَلَيْكُمْ)، قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: "بَلْ عَلَيْكُمْ السَّامُ وَالذَّامُ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا عَائِشَةُ لا تَكُونِي فَاحِشَةً)، فَقَالَتْ: "مَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا؟!"، فَقَالَ: (أَوَلَيْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ الَّذِي قَالُوا؛ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ) (متفق عليه).
ثم أراد أن يدعم فحشه بقصة أخرى؛ فأورد قصة قول عائشة -رضي الله عنها- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا)، ثم أوهم السامع أنها قالت كلمة فاحشة ما قدر الراوي على ذكرها! قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا"، قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ: "تَعْنِي قَصِيرَةً"، فَقَالَ: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ)، قَالَتْ: "وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا"، فَقَالَ: (مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
وهذا الحديث دليل على أن الصحابة بصفة عامة وعائشة -رضي الله عنها- بصفة خاصة لم يكتموا من دين الله شيئًا، ونحن لا نعتقد عصمة أحد من هذه الأمة غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكننا نقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أدَّب أصحابه وعلمهم، وإنَّ أسعد الناس حظًا بهذا الأدب أزواجه، لا سيما أحبهن إلى قلبه عائشة -رضي الله عنها-، وها هي تخطئ و رسول الله يصوِّب، وهي تنقل للأمة ولا تكتم؛ فماذا يريد أعداء الله بعد هذا إلا الكذب والتشغيب وإيذاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عرضه؟!
ثم دعَّم موقفه بأحاديث ضعيفة في كون عائشة وحفصة -رضي الله عنهما- سخرتا من أم سلمة -رضي الله عنها-، والتي إن صحت فلن تخرج عن الخطأ البشري الذي يصوبه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وينقله المخطئ قبل غيره؛ نصيحةً للأمة التي لا يستحق هؤلاء المنافقون الانتساب إليها.
بالإضافة إلى جمع من الأحاديث الشيعية المحضة الظاهرة الكذب في سب عائشة -رضي الله عنها- لعثمان -رضي الله عنه- وغيره من الصحابة -رضي الله عنهم جميعًا-.
الشبهة الثالثة:
قصة خروجها في واقعة الجمل، وقد بالغ فيها حتى زعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ عليها الميثاق ألا تخرج، وبيَّن لها أنها سوف تعصيه وتخرج متبرجة، ثم قال كلامًا فاحشًا في حق خروج عائشة -رضي الله عنها- للحج في ثياب حمراء، وهو كلام بذيء لا تكفي الدماء الحمراء لغسله، ولكن الأهم من ذلك أن في هذه القصة بالطريقة التي ساقها طعن مباشر في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي رضي بعشرة امرأة يعلم يقينًا أنها عاقدة العزم على الفسق والفجور! حاشاه -صلى الله عليه وسلم- وحاشاها من ذلك.
وأما خروجها؛ فكان عن اجتهاد منها؛ حيث ظنت أن خروجها يحسم الخلاف، ولم تشارك في قتال، ومع هذا بقيت حياتها تبكي كلما قرأت قوله -تعالى-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) (الأحزاب:33)، وأما مقدار هذا الخطأ فلنا موقف علي وعمار والحسن -رضي الله عنهم- حينما قال عمار -رضي الله عنه- عن عائشة -رضي الله عنها-: "إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ".
ولنا أن ابن عباس -رضي الله عنهما- ألجم الخوارج الحجة فيما أنكروا على عليٍّ عدم سبيه النساء أن هذا يلزم منه سبي أمهم عائشة -رضي الله عنها-؛ فبُهِتوا ولم يجرؤ أحد منهم أن يتعرض لها بسوء.
والسؤال الألزم للحجة لهم هو كيف سكت علي -رضي الله عنه- على الفجور الذي نسبوه لعائشة -رضي الله عنها- وهو مِن الفجور الذي لا يسع أحد أن يتركه بلا إنكار، لا سيما من علي -رضي الله عنه-..
سوف يقولون كما قالوا في غيره من الأسئلة..
لِمَ ترك عليٌّ الإمامة لأبي بكر مع أنها ركن الدين الأعظم -في زعمهم-؟!
ولِمَ ترك أبا بكر وعمر يضربان فاطمة -رضي الله عنها- ويجهضانها وهو مختبئ في الدار -بزعمهم و كذبهم-؟!
سيقولون في هذا كله: سكت تقية!
عليٌّ –رضي الله عنه- أشجع صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سكت عن عرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن مجون تنسبونه كذبًا وزورًا إلى عائشة -رضي الله عنها- تقية أي: جبنًا؟! وسكت عن ضرب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبنًا؟! وترك ابنه يُقتل أمام عينيه جبنًا؟!
فما أجهلكم وأكذبكم على الله وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى أزواج رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى وزراء رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى آل بيته! وأول مَن كذبتم عليه علي -رضي الله عنه-!
وعلى أي؛ فإن استمر عنادكم وزعمتم أنكم في الجنة وأن عائشة في النار؛ فنحن نسأل الله أن يحشرنا مع عائشة -رضي الله عنها-، ونستعيذه من جنتكم المزعومة، وإن كان لكم قلب فاسألوا الله ألا يحشركم مع عائشة، وأن يحشركم في الدار التي ليست فيها.
والأخطر من هذا أننا ندعوكم إلى المباهلة؛ فنسأل الله أن يُعجِّل العقوبة على الظالم من الفريقين.
نسأل الله أن يقطع دابركم، وأن يطهر الأرض من رجسكم، وأن يعامل من مات منكم على ما هو فيه بعدله لا بفضله، وأن يزيدهم من العذاب أضعافًا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ماذا ترك هذا البغيض من عقائد النصارى في عيسى -عليه السلام-.
(2) ألم ينتبه هذا الأفاك إلى أن إحدى الروايتين تناقض الأخرى؟!
(3) هذا هو غرض كل طاغية لا يغلو في صالح إلا ليدعي أنه ورثه، وهذا نور فاطمة المزعوم حُرمت منه الأمة، وحُرم منه علي، واستودع في الحسين دون الحسن! وجُعل موروثًا في آل البيت، أو بالأحرى الذين يزعمون أنهم آل البيت، وآل البيت منهم براء.