الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد جاءت تصريحات أحد "كبار طواغيت الكنيسة" منذ أيام بأنه مستعد للاستشهاد -على ظنه- إذا حاولت الدولة فرض سلطتها على الأديرة والكنائس! وأنه يُفضِّل الموت على أن يَرى المسلمين يرعون "شعبه" في الكنيسة!
وأنهم -أي النصارى- أصحاب البلد، وأن المسلمين ضيوف عليهم! وأنهم عاملوهم كإخوانهم تنازلاً منهم!
جاءت هذه التصريحات لتمثل استفزازًا غير مسبوق لمشاعر المسلمين، وإعلانًا للحرب -مع الاستعداد لها- من قِبَل الكنيسة ضد الدولة التي أعطتهم فوق ما يستحقون بكثير، واستعلاءً غير محتمل على المسلمين الذين جعلهم الله فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة؛ لأن المسلمين هم الذين اتبعوا المسيح -عليه السلام- على دينه، وأحيوا عقيدة التوحيد التي دعا إليها المسيح -عليه السلام- وعاش عليها.
وهي أصل دعوته -كما يعلم "بيشوي" وغيره- من كلام المسيح -عليه السلام- في الإنجيل الذي بأيديهم في مناجاته للرب -عز وجل-: "إن الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته".
ولما سُئل: "أيها المعلم، أي الوصايا هي أول الكل؟"؛ قال: "كما هو مكتوب؛ الرب إلهنا رب واحد؛ رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وأن تحب الرب إلهك من كل عقلك وقلبك وفكرك".
فالذين يدعون إلى هذه العقيدة: "لا إله إلا الله عيسى رسول الله" هم المسلمون وحدهم في العالم اليوم، لا اليهود الذين كذبوه، ولا النصارى الذين ألَّهوه!
ولذا جعلهم الله شرعًا وقدرًا في الحجة وفي القوة فوق الذين كفروا به، يكون ذلك ما شاء الله أن يكون، ثم في النهاية يتم ذلك، قال الله -تعالى-: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (آل عمران:55)، وقال -تعالى-: (فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف:14)
"
جاءت تصريحات أحد طواغيت الكنيسة لتمثل استفزازًا غير مسبوق لمشاعر المسلمين، وإعلانًا للحرب -مع الاستعداد لها- من قِبَل الكنيسة ضد الدولة
"
.
فالكفار منهم هم الذين كذبوه، وكذلك الذين ألهوه وقالوا: "إنه الله، وابن الله، وثالث ثلاثة"؛ فنصَّ القرآن: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (المائدة:72)، وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ)(المائدة:73).
فأيَّد الله الذين آمنوا به عبدًا رسولاً ببعثة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فأصبحوا ظاهرين، فانتصرت عقيدة المسيح الحقيقية وملة أتباعه الحقيقيين ببعثة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فأصبحوا ظاهرين.
فالمسلمون فوق النصارى وفوق اليهود في الحجة وعلى الدوام وإلى الأبد، وفي القوة في نهاية الصراع حين ينزل المسيح -عليه السلام-: (حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ) (متفق عليه)، لا يقبل الجزية، وهذه بشارة للمسلمين أن الجزية حين ينزل المسيح في آخر الزمان ستكون مفروضة على اليهود والنصارى، ولا يقبلها المسيح منهم؛ بل لا يقبل إلا الإسلام أو الموت؛ فإن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم لا يحل لهم الحياة في وجود المسيح على الأرض كما في حديث النواس بن سمعان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ) (رواه مسلم)، و(رِيحَ نَفَسِهِ) أي: رائحة نَفَس عيسى -عليه السلام-، و(حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ) أي: بصره.
فالكفرة يموتون برائحة نفس المسيح -عليه السلام- الزكية الطاهرة المطهرة من الشرك والوثنية، ولذا لا يقبل منهم جزية كما يجب أن يكون اليوم بنص القرآن العظيم: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29)، وأجمع على ذلك العلماء بلا خلاف.
وإنما كذب على الله وعلى دينه من قال من المعاصرين: "إن الجزية قد انتهت، وإنها في ذمة التاريخ"! وهل ينسخ القرآنَ كلامُ الناس وفهمُهم السقيم؟!
وكذب على الله وعلى دينه من زعم: "أنها ضريبة خدمة عسكرية"! فهل المسلمون مرتزقة يقاتلون نيابة عن الشعوب في مقابل المال؟!
تبًا وسحقًا لمن قال ذلك..! بل الجزية تُدفع صغارًا للكفر وأهله بنص القرآن، ويستحق من بذلها الأمان والحماية من المسلمين كرعايا الدولة المسلمة، بل جعل شيخ الإسلام "ابن تيمية" -رحمه الله- فرض الجزية من شعائر الإسلام الظاهرة المتواترة التي يُقاتل عليها من امتنع عنها "الفتاوى ج 28".
ووالله ما استعلى هؤلاء المجرمون وتفوهوا بهذه الأقوال إلا بسبب ترك ما أمر اللهُ -عز وجل- به في كتابه ورسولُه -صلى الله عليه وسلم- في سنته من فرض الصغار عليهم، حتى وصلت بهم الجرأة على تحدي سلطة الدولة التي أعطتهم ما لا يستحقون من المساواة بينهم وبين المسلمين في كل شيء، بل في الحقيقة قدَّمتهم على المسلمين!
فالكنائس -فعليًا وليس كلامًا في الهواء- لا سلطان للدولة عليها، ولا تستطيع تفتيشها للتأكد من خلوها من الأسلحة، أو لتحرير مواطنين -هم من رعايا الدولة ومِن مسئوليتها- مِن سلطان القساوسة والرهبان الذين يعتبرون "شعبهم" ملكية خاصة لا يجوز لأحد أن يتدخل في شأنهم، ولا حتى أن يَسأل عن مكانهم، استعبدوا الناس وفتنوهم عن دين الحق.
ومعلوم أن المساجد ليس فيها مسجد واحد بهذه الصفة، ولو قارنـَّا عدد من اعتُقِلوا ممن يُسمون "بالمتطرفين والإرهابيين" من المسلمين بالمقارنة إلى مَن هم في الحقيقة متطرفون وإرهابيون ويستعدون بالسلاح والتدريب داخل الأديرة المحاطة بالأسوار الخراسانية المسلحة العالية وذات الاكتفاء الذاتي؛ لعلمنا يقينًا عدم المساواة!
"
كيف لا تتصرف الدولة بتصرف سيادي -كما يسمونه- بوقف هؤلاء المجرمين عند حدودهم؛ وقد تعرضت سيادتها -بلا شك- للطعن والنقض قولاً وفعلاً؟!
"
بل والله ولا حتى في الكلام والتصريحات والالتزام بالقوانين، ومن أوضح الأمثلة على ذلك استعمال رئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة نادرة في إيقاف العمل بقانون محل نظر أمام المحكمة من أجل ألا يتعرض "شنودة" لمساءلة قانونية ومحاكمة؛ لعدم تنفيذ حكم قضائي نهائي واجب التنفيذ، مع أن الأصل العمل بالقانون حتى تفصل المحكمة الدستورية فيه، وكان أولى برئيس المحكمة أن يتخذ مثل هذه القرارات في القوانين المخالفة للشريعة، والتي بالفعل أمام المحكمة طعون دستورية فيها منذ سنوات طويلة: كقوانين العقوبات المخالِفة للشريعة في الحدود وغيرها، ومن المقطوع به عند التأمل القطع بالمخالفة للشريعة، وبالتالي يلزم الحكم بعدم الدستورية؛ فهل من أدلة على أن الدولة تعامل النصارى بأفضل مما تعامل به المسلمين أوضح من هذا؟!
ولو سألتَ أحدًا: هل يُتصور محاكمة وزير أو محافظ أو حتى رئيس الوزراء لوجدتَ ذلك أمرًا محتملاً..
أما لو سألت: هل يمكن محاكمة "بابا الكنيسة" بل حتى أحد أساقفته الكبار؛ لكان الجواب بالمنع بلا تردد!
فماذا تنتظرون..؟!
إن التاريخ قد شهد مذابح وقعت للأكثرية على يد الأقلية المسلحة خصوصًا عقب الاحتلال وتسريح الجيوش؛ فالمسلمون في البوسنة كانوا الأكثرية والصرب أقلية، لكن الأكثرية كانت عزلاء فتعرضت لمذابح لا مثيل لها!
والشيعة في العراق كانوا الأقلية، وتعرض السنة خاصة في الجنوب العراقي لمذابح وتطهير عرقي على أيدي ميليشيات الشيعة بعد تسريح الجيش والشرطة العراقيين من الاحتلال، فهل الخطر قادم إلينا من متطرفي الكنيسة؟! فالمسلمون ليس لهم أي استعداد، وإنما لهم جيشهم وشرطتهم، فهل يكدس النصارى الأسلحة في الأديرة انتظارًا لمؤامرة دولية تسرح الجيش والشرطة ليواجهوا هم بسلاحهم الأكثرية العزلاء؟
كيف لا تتصرف الدولة بتصرف سيادي -كما يسمونه- بوقف هؤلاء المجرمين عند حدودهم؛ وقد تعرضت سيادتها -بلا شك- للطعن والنقض قولاً وفعلاً؟!
مع أن المطلوب ليس رعاية "شعبهم" في الكنيسة كما يقول "بيشوي"؛ بل المطلوب التأكد من خلو الأديرة والكنائس من السلاح، وتَحرر من يريد الإسلام من أبناء "شعبنا" لا "شعبهم"؛ فإن الإنسان يصبح منا بكلمة: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" أيًا ما كانت ملته أو جنسيته قبل ذلك.
وإذا لم تتصرف الدولة مثل هذا التصرف السيادي فهو والله نذير شر عظيم، وخطر مستطير، فالكنيسة الآن دولة داخل الدولة، بل دولة موازية للدولة!! وهو وضع لو اقترح على "منظمة فتح" أن تناله دولتها المرتقبة داخل إسرائيل في إطار حل الدولتين لطارت به فرحًا، بل أظن أن "رئيس السلطة الفلسطينية" لا يحلم بصلاحيات "بابا الكنيسة" وحصانته، كما أن ولاءه للدولة اليهودية -بلا شك- أضعاف ولاء الكنيسة للدولة المصرية، ورعاية الكنيسة لأتباعها -أقصد لعبيدها- أعلى بكثير من رعايته لشعبه -ولو حتى داخل المساجد!-.
بل أظن أنكم لو عرضتم صلاحيات كصلاحيات الكنيسة على "حماس" في حل الدولتين؛ فلربما فكرت في القبول؛ فإنها صلاحيات عالية جدًا تغري على الأقل بالتفكير!
إن الحاصل الآن من تنازل الدولة عن سلطتها وهيبتها تجاه أقلية لا تبلغ 5% من السكان أنموذج فريد لم يسبق له في التاريخ مثيل فيما نعلم.
"
إن التاريخ قد شهد مذابح وقعت للأكثرية على يد الأقلية المسلحة
"
إننا نعذر إلى الله بأن ما يحدث من إرهاب وتطرف وإجرام من قِبَل الكنيسة وسكوت قاتل من قِبَل الدولة وأجهزتها هو نذير فتنة عمياء لن يستطيع أحد -حكيم ولا غير حكيم- التحكم فيها..
فالله الله في مصر وأبنائها، وأمانتِكم التي تحملتموها، ومسئوليتِكم عن أبناء شعبكم لا شعبهم.
اتقوا الله.. فـ (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)(متفق عليه)، وما أقرب الآخرة، وما أسرع زوال الدنيا ومناصبها.
نذكركم الله في الإسلام..
ونذكركم الله في المسلمين..
ونذكركم الله في الوطن الغالي على كل مسلم..
ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.