السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إن فى الدنيا جنة من لم يدخلها ، فلن يدخل جنة الآخرة .. قالوا : ما هى ؟ قال : إنها جنة الإيمان .
وقال مرة : ما يصنع أعدائى بى ؟ أنا جنتى وبستانى فى صدرى ، أنى رحت فهى معى لا تفارقنى ، إن حبسى خُلوة ، وقتلى شهادة ، وإخراجى من بلدى سياحة .
وكان يقول فى محبسه فى القلعة : لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ، ما عَدل َ عندى شُكر هذه النعمة ، أو قال : ما جزيتهم على ما تسببوا لى فيه من الخير .
وقال مرة : المحبوس من حُبس قلبه عن ربه - تعالى - والمأسور من أسره هواه .
ولما دخل القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال : ( فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابُُُ بَاطِنُهُ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ )
قال ابن القيم : " وعلم الله ما رأيت أحدا ً أطيب عيشا ً منه قط ، مع ما كان فيه من ضيق العيش ، وخلاف الرفاهية والنعيم ، بل ضدها ، ومع كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق ، وهو مع ذلك أطيب من الناس عيشا ً ، وأشرحهم صدرا ً ، وأقواهم قلبا ً ، وأسرهم نفسا ً ، تلوح نضرة النعيم فى وجهه .
وكنا إذا اشتد بنا الخوف ، وساءت منا الظنون ، وضاقت بنا الأرض أتيناه ، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه ، فيذهب ذلك كله ، وينقلب انشراحا ً ، وقوة ، ويقينا ً وطمأنينة .
فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه ، وفتح لهم أبوابها فى دار العمل ، فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفزع قواهم لطلبها والمسابقة إليها "
قال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أََوْ أُنثَى وَهُو مُؤْمٍنُُ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
كان بعض العارفين يقول : " لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه : لجالدونا عليه بالسيوف " .
وقال آخر : " مساكين أهل الدنيا ، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها ؟ قيل : وما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله تعالى ومعرفته وذكره والأُنس به سبحانه وتعالى " .
وقال آخر : " إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا ً حتى أقول إن كان أهل الجنة فى مثل هذا إنهم لفى عيش طريب " .
فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون إليه والطمأنينة إليه وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولى على هموم العبد وعزماته وإرادته ، هو جنة الدنيا والنعيم الذى لا يشبهه نعيم ، وهو قرة عين المحبين ، وحياة العارفين . وإنما تقرُ عيون الناس به على حسب قرة أعينهم بالله - عز وجل - من قرَّت عينه بالله ، قرت به كل عين ، ومَنْ لم تقر عينه بالله ، تقطعت نفسه على الدنيا حسرات.
منقول